بين ليلة جلسة مجلس الوزراء الطويلة، وضحى إقرار الزيادات على رواتب الموظفين ارتفعت أسعار المشتقات النفطية. بعبارة غامضة، أعلن وزير الإعلام عقب انتهاء اجتماع 29 أيار، أن "الحكومة أعادت أسعار المحروقات إلى ما كانت عليه عند تشكيلها". محاولات الإعلاميين الاستيضاح عن القرار اصطدمت بابتسامة الوزير وتعليقه بابهام "بعدان بتشوفوا". وما هي إلا ساعات قليلة حتى بدأت المحطات برفع أسعار البنزين بقيمة مئة ألف ليرة والمازوت 174 ألفا، إستناداً إلى جدول تحديد أسعار المحروقات الذي حدثته وزارة الطاقة على عجل، قبل تهافت المواطنين على المحطات.

بشكل غير رسمي علق أحد المسؤولين الرسميين على القرار "شو هي وقفت على هالدولار"، فأي زيادة باسعار النفط عالميا بقيمة 10 دولارات من 64 دولارا لبرميل برنت حالياً إلى حدود 74 دولاراً ستزيد الأسعار بنفس القيمة التي زادتها الحكومة. وهذا الأمر ممكن أن يحصل نتيجة أي تغيير بالأوضاع الجيوسياسية وسياسات التكتلات النفطية.

رفع أسعار المحروقات

الكلام المسؤول، يفتقد إلى المنطق إذا ما طُبّق على الحالة اللبنانية. فالحكومة الجديدة عادت تنتهج نهج أسلافها القائم على المثل الشامي "من دهنو سقيلو"، بما يعني الاعتماد على المتاح بسهولة دون بذل أي جهد إضافي لتحصيل مليارات الدولارات من الأموال المسروقة والتهرب الضريبي، والتهريب الجمركي، والفساد، وسيطرة الاقتصاد غير الشرعي.

بالأرقام سيؤدي قرار إعادة أسعار المحروقات إلى ما كانت عليه عشية 8 شباط، إلى:

- رفع سعر صفيحة البنزين إلى مليون و489 ألف ليرة، من مليون و389 الفاً.

- رفع سعر صفيحة المازوت إلى مليون و393 ألف ليرة، من مليون و219 الفاً.

تأمين الزيادات من المحروقات

الجلسة التي شهدت رفع أسعار المحروقات سبقتها الموافقة على مشروع قانون يرمي إلى فتح اعتماد إضافي في موازنة 2025 من أجل تغطية منح مالية للعسكريين، وإحالته الى مجلس النواب. وقد أتت الزيادات على الشكل التالي:

- إعطاء منح مالية بقيمة ١٤ مليون ليرة لبنانية للعسكريين في الخدمة الفعلية.

- إعطاء منح مالية بقيمة 12 مليون ليرة لبنانية للمتقاعدين، أي ٨٥ في المئة مما سيحصل عليه العسكريون في الخدمة الفعلية. على أن يكون دفع هذه المنح في الأول من تموز. كما وافق المجلس على توسيع دائرة المستفيدين من شبكة "أمان" الاجتماعية.

يقال "عند معرفة السبب بطل العجب". ما ستدفعه الحكومة للعسكريين والفقراء سيؤخذ من العسكريين والفقراء أنفسهم، وعموم الشعب اللبناني. فالزيادة المضافة على أسعار المحروقات ستؤمن حوالي 2 دولار في المتوسط على كل صفيحة بين بنزين ومازوت. وإذا افترضنا أن حجم المبيع اليومي من هاتين المادتين يصل بحسب مستشار نقابة موزعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا إلى 17 مليون ليتر، أو ما يعادل 850 ألف صفيحة، فان العائد المقدر للخزينة سيكون بحدود مليون و700 ألف دولار يومياً. وذلك إذا افترضنا أن متوسط الضريبة على الصفيحة دولارين. وعليه ستجبي الخزينة من هذه الزيادة أكثر من نصف مليار دولار في العام.

اتحادات النقل البري تحذر

مشكلة الزيادة بأسعار المحروقات مهما كانت بسيطة، تشكل مبرراً لارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات، وحتى ولم يكن الارتفاع مبرراً. وقد صدر عن رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس بيان قال فيه "أول دخولها...رسوم على طولها". مضيفاً إنه فيما كانت حكومة الإصلاح والإنقاذ" تبحث عن إيرادات "لتصلح بها أمور الدولة" و "لتنقذ برسومها خزينتها" لم تجد أمامها إلا أبواب المواطنين وطبقة السائقين لتفرض عليهم رفع أسعار المحروقات، وتضيف على كاهلهم أعباء فوق أعبائهم الناتجة عن عدم تطبيق القانون وحماية القطاع من اللوحات العمومية المزورة، والسيارات الخصوصية، التي تسرح وتمرح بلا حسيب أو رقيب. وازاء ما تقدم، دعا اتحادات ونقابات قطاع النقل البري إلى الاجتماع الأسبوع المقبل للتشاور واتخاذ ما هو مناسب من قرارات في هذا الشأن. ومن المتوقع ان يكون الاتجاه إلى زيادة تعرفة النقل المحددة رسمياً بـ 150 ألف ليرة للسرفيس، مع العلم أن السائقين لا يقبلون تقاضي أقل من 200 ألف ليرة.

التفتيش عن مصادر الدخل حق مشروع للخزينة، إنما من خارج جيوب المواطنين الذي لا يملكون القدرة على تأمين قوت يومهم. والاجدى كان وقف مزاريب الهدر والفساد الكثيرة بدلاً من أخذ "فلس الأرملة الفقيرة".