على الرّغم من إعطاء هيئة الشراء العام وزارة الطاقة الضوء الأخضر لترحيل المواد الخطرة في منشآت النفط في الزهراني والبدّاوي، لا يزال الملفّ يراوح مكانه، من دون أسباب واضحة للإهمال الحاصل في هذا الملف، إذ لم تعلن وزارة الطاقة عن نتائج المناقصة الأخيرة لترحيل هذه المواد، حتّى بعد إعطائها الموافقة على التعاقد المباشر مع شركة إذا كانت المواد خطرة وتهدّد حياة الناس من دون المرور بمناقصة وفق القانون.

القصّة من البداية

وبالعودة إلى تفاصيل هذا الملف، فإنّ المواد الخطرة الموجودة في مستودعات المنشآت، وتلك الموجودة في الزهراني، هي ستّ عبوات صغيرة من المواد النووية المشعّة يعود تاريخ وجودها إلى العام 1950 أثناء إدارة شركة أميركية للمصفاة، في ظلّ عدم وجود أيّ معاهدة دولية تمنع دخولها، آنذاك.

وكانت منشأة النفط قد راسلت في 15 آذار 2021 مجلس البحوث العلمية والهيئة اللبنانية للطاقة الذرية للتنسيق في موضوع رفع المواد من المنشآت إلى مختبرات الهيئة، وإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالأمر، لأنّ المنشآت لا تستطيع حفظ هذه المواد.

يذكر أن رئيس حكومة تصريف الأعمال السابق حسان دياب كان قد كشف خلال أحد اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع عن تلقّيه تقريراً أعدّته الشركة الألمانية "COMBILIFT" عن وجود مواد كيميائية خطرة في مستودعات منشآت النفط في الزهراني.

وبحسب التقرير، فإنّ خبراء من الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية كشفوا عن تلك المواد وتبيّن أنها "مواد نووية عالية النقاوة، ويشكّل وجودها خطراً". ولفت دياب إلى أنّ هناك "إجراءً سريعاً جداً للتعامل مع هذه المسألة بأقصى درجات الاستنفار".

وفي الإطار نفسه، كان قد كلّف المجلس الأعلى للدفاع وزير الطاقة والمياه الأسبق ريمون غجر اتخاذ الإجراءات اللازمة. علماً أنّ التحقّق من احتمال وجود مواد خطرة في الإدارات العامة جارٍ منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي.

وعليه، طلب المجلس الأعلى للدفاع من الأمانة العامة لمجلس الوزراء تكليف النيابة العامة التمييزية مراسلة الإدارات الرسمية كافة للتحقق من وجود مواد خطرة قابلة للانفجار، تفادياً لما حصل في المرفأ. وفي نتيجة التكليف، كلّفت شركة "COMBILIFT" نقل المواد التي وجدت في الزهراني.

مبادرة ريفي

وفي حديثه إلى "الصفا نيوز" قال النائب أشرف ريفي "بعدما وصلتني معلومات عن وجود مواد خطرة في منشآت النفط في البداوي، تواصلت مع رئيس حزب البيئة العالمي الدكتور ضومط كامل، وعقدنا اجتماعاً فورياً لبحث الأمر والاطلاع على تفاصيل هذه القضية. وبعد التباحث، تبيّن، وفقاً لمضمون تقرير دائرة الهندسة في الجيش اللبناني، أنّه بعد الكشف على مراكز التخزين في منشآت النفط في طرابلس وعلى منشآت النفط في الزهراني، وبعد أن استعان الدائرة بإحدى الشركات المتخصصة بمعالجة المواد الخطرة، تبين وجود مواد كيماوية في المنشأتين في طرابلس والزهراني. ووجود مواد نووية في منشآت النفط في طرابلس، تتفاوت درجة خطورتها بين متوسطة الخطورة والشديدة الخطورة".

وتابع "إثر ذلك، رأيتُ من الواجب التوجه إلى جميع السلطات المعنية لوضع هذه المعطيات في متناولها، لتتحمّل مسؤوليتها في حماية اللبنانيين، إضافةً إلى ذلك عمدتُ إلى تشكيل فريق عمل لمتابعة هذه القضية، وكلّ القضايا البيئية في منطقة الشمال، بالتعاون مع الدكتور كامل، لاتخاذ الإجراءات المفترضة ووضع الإستراتيجية الضرورية لحماية البيئة من كلّ المخاطر التي تتهددها. وقد نبّه الدكتور كامل إلى خطورة هذه المواد على الإنسان وعلى البيئة وعلى جميع الكائنات الحية".

وأِضاف ريفي "حتى اللحظة لم يحصل أيّ تطوّر في هذا الملفّ، فيما تقوم هيئة الشراء العام بمناقصة لتلزيم إخراج هذه المواد إلى خارج لبنان. لأنّ بقاءها خطر جداً على أمن أهالي المنطقة".

تحذير من الخبراء البيئيين

رئيس حزب البيئة العالمي الدكتور ضومط كامل أوضح لـ"الصفا نيوز" أنّ "ملفّ المواد الخطرة في معمل الزهراني والبداوي لا يزال يراوح مكانه، وقد أجرينا عدّة اتصالات في هذا الإطار، على المستويين المحلّي والدولي، إلاّ أنّ أحداً لم يحرّك ساكناً، والمعنيّون غير مكترثين. وأنا تسلّمت الملفّ قبل نحو شهرين، وبحسب المعلومات التي يمكنني الإفصاح عنها، فإنّ رئاسة الجمهورية كانت قد بُلّغت بوجود هذه المواد منذ العام 2020، إلاّ أنّها لم تتحرّك. أخشى أن يكون هناك نوع من نيّة تدمير للمنطقة بشكل كامل ومبرمج".

وحول احتمال انفجار هذه المواد من دون أي عامل خارجي، أجاب "كلّ الاحتمالات واردة، فالمواد خطيرة جداً، واستمرار وجودها يهدّد المنطقة، ويشكّل خطراً على سكّانها وبيئتها. قد تلجأ أيّ جهّة إلى أعمال تخريبية بقصد الأذى، ويمكن أن يتمّ قصفها، أو إشعالها، ولذلك يجب إزالتها فوراً".

ولفت إلى أنّ سكّان المنطقة لا يعلمون بوجود هذه المواد، ولم ينزحوا بعد، ولم يطلب المعنيّون منهم الابتعاد عنها. في حين لم يتحرّك أحد، في هذا الملف، على الرّغم من أننا تمكّنا من تأمين تمويل ووضع خطّة لإزالة هذه المواد، فلم يستجب أحد لنا. هناك استهتار من قبل قيادات الدولة اللبنانية".

وأكّد أنّ "لا معلومات عن كيفية دخول هذه المواد ومن الجهّة المسؤولة عن إدخالها"، موجهاً "نداء خاصاً إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري للتدخل".

موقف هيئة الشراء العام

إلى ذلك، تواصل "الصفا نيوز" مع رئيس هيئة الشراء العام، الدكتور جان العلية، الذي أكّد أنّ ليس لديه أيّ كلام يزيده على البيان الذي نشره في الوكالة الوطنية للإعلام، ولا معطيات جديدة عنده في هذا الملفّ".

وكان عليّة قد أوضح في بيانه أنّ "كتاب هيئة الشراء العام نصّ على ما يلي: في حال كانت المواد موضوع هذه المناقصة من الخطورة بمكان بحيث لا يحتمل ترحيلها التأجيل، وذلك على مسؤولية الجهة الشارية دون سواها وفقاً لقواعد الاختصاص، فبإمكان هذه الجهة اللجوء إلى التعاقد المباشر وفقاً لأحكام المادة 46 من قانون الشراء العام".

وأَضاف البيان: "قرّرت الوزارة على كامل مسؤوليتها أنّ وضع المواد يسمح بإجراء مناقصة، فعادت وأعلنت عن المناقصة مجدداً على موقع هيئة الشراء العام الالكتروني، وحدّدت موعد فض العروض بتاريخ 12/3/2024، ولكن عملية التلزيم لم تحصل بسبب عيوب جوهرية شابتها اضطرت معها لجنة التلزيم إلى إلغاء المناقصة، مع تأكيد مندوب هيئة الشراء العام الذي حضر الجلسة على إمكانية التعاقد المباشر لترحيل المواد فوراً من دون انتظار إجراء مناقصة في حال خطورتها".

وتابع "إلّا أنّ الوزارة عادت وأعلنت بتاريخ 28/3/2024، عن المناقصة مجدداً على موقع هيئة الشراء العام الألكتروني، وحدّدت موعد جلسة التلزيم بتاريخ 18/4/2024، ثم مدّدته لاحقاً إلى تاريخ 23/4/2024، إتاحةً للعارضين المحتملين لمهل استيضاح كافية".

أسئلة مشروعة

من هذا المنطلق، لا مفرّ من السؤال عن سبب إصرار وزارة الطاقة على إجراء مناقصة على الرّغم من سماح هيئة الشراء العام بترحيل هذه المواد إذا ما كانت تشكّل خطورة، وكيف اعتبرت الوزارة أنّ وضع المواد يسمح بإجراء مناقصة، في حين أن جميع تقارير الخبراء المحلّيين والدوليين تؤكّد أنّ هذه المواد عالية الخطورة، وبقاءها في المنشآت قد يؤدّي إلى التسبّب بمجزرة ثانية على غرار انفجار مرفأ بيروت. أمّا إذا كانت الوزارة ترى فعلاً أنّ هذه المواد يمكن أن تنتظر إجراء مناقصة، فهل اتخذت التدابير اللازمة لحماية محيط المنشآت في الزهراني والبداوي، وضمان عدم تدخل أيّ عامل خارجي قد يتسبب بانفجار هذه المواد؟

نترك هذه الأسئلة المشروعة في عهدة وزارة الطاقة التي حاول "الصفا نيوز" التواصل مع المعنيين فيها ولم يتلقّ رداً حتى الساعة.