من المتوقّع أن تعلن مجموعة "بريكس" عن جولة جديدة من التوسّع في عدد أعضائها مع انعقاد قمّتها السادسة عشرة المقررة في 16 تشرين الأول 2024 في مدينة كازان الروسية. هذه القمّة التي تعقد برئاسة روسيا التي تترأس أعمال المنظمة خلال العام الحالي، ستشهد حضور الأعضاء الجدد في المنظمة: الإمارات العربية المتحدة وإيران ومصر وأثيوبيا التي أكّدت جميعها انضمامها إلى المنظمة في مطلع العام الجاري، في حين تخلّفت المملكة العربية السعودية عن تفعيل طلب عضويتها الذي قبلته المنظمة، وسحبت الأرجنتين طلب عضويتها بعد انتخاب خافيير مايلي رئيساً، وهو المعروف بولائه لواشنطن وانحيازه إلى صفّها وصفّ إسرائيل في مواجهة القوى الأوراسية.

توسعة العضوية

وسيكون على جدول أعمال القمّة المقبلة توسعة عضوية منظمة "بريكس" والتخلّي عن الدولار في التعاملات التجارية بين الدول الأعضاء. وقد أعربت عدة دول نامية عن رغبتها في الانضمام إلى المنظمة التي تقدّم إليها فرص تعاملات اقتصادية غير مشروطة سياسياً، كما هو حال تعاملاتها الاقتصادية مع الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. وقد أكّد نائب وزير الخارجية الروسي غريغوري كاراسين أنّ المنظّمة تلقت طلبات من 40 دولة للانضمام إلى منظمة "بريكس"، ومعظمها من دول إفريقية وآسيوية وأميركية لاتينية ترى في العضوية في "بريكس" فرصة لتنمية اقتصاداتها الضعيفة التي عانت طويلاً استغلال القوى الغربية. ومن شأن هذه التوسعة المرتقبة أن تعزّز حضور منظّمة "بريكس" على الساحة الدولية على حساب الهيمنة الأميركية. ويعتبر خبراء دوليّون أنّ توسعة عضوية "بريكس" قد تمثّل مشكلة للولايات المتحدة والغرب والدولار، خصوصاً أنّها ستؤدّي إلى عدّة تغييرات في كيفية عمل مجموعة "بريكس" وتسوية المدفوعات التجارية.

أطلق المشرّعون الأميركيون حزمة قوانين لمكافحة قطاع العملات الرقمية

إطلاق عملة خاصة بـ"البريكس"

في موازاة ذلك، تسعى منظّمة "بريكس" إلى التخلّي عن الدولار في تعاملاتها البينية وإطلاق عملتها الموحّدة التي ستغنيها عن العملة الأميركية التي تمارس واشنطن من خلالها هيمنتها العالمية. وفي سبيل هذا الأمر، سعت المنظّمة، التي فعّلت بنك التنمية الجديد، البديل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من أجل الاستحواذ على كمّ هائل من المعادن الثمينة، وعلى رأسها الذهب لتدعيم هذه العملة. هذا ما جعل مؤشّر المعادن الشهري يرتفع بنسبة 8.25 في المئة خلال العام المنصرم، بما رفع سعر أونصة الذهب التي تزن 31.4 غرام إلى نحو 2،400 دولار أميركي. وتكمن أهمّية الذهب بالنسبة إلى الدول الأعضاء في "بريكس" في سيولته وصموده في مواجهة الانكماش الاقتصادي والتقلّبات الجيوسياسية. لذا فإنّ الذهب يمثّل بديلاً من الدولار الأميركي بالنّسبة إلى مجموعة الـ"بريكس".

وتسعى الصين وروسيا، ومعهما الدول الأعضاء في "بريكس"، إضافة الى الدول النامية، الى زيادة احتياطاتها من الذهب. لذا من غير المتوقّع أن يتباطأ ارتفاع الذهب، خصوصاً في تطلّع مجموعة "بريكس" إلى التخلّص من الدولار الأميركي قريباً لمصلحة عملتها المدعومة من الذهب. ويتوقّع الخبراء الاقتصاديون أن يكون الدولار الأميركي الضحية الأولى في المدفوعات العابرة للحدود، في ظلّ سعي عدد متزايد من البلدان إلى الاستغناء عنه في تعاملاتها التجارية الدولية. وقد حذر الخبراء من أنّ من شأن هذا أن يستولد كتلتين عالميتين منفصلتين تماماً على الصعيدين الجيوسياسي والاقتصادي، وأنّ هذا سيؤثّر سلباً في هيمنة الدولار الأميركي ومعه الهيمنة الجيوسياسية الأميركية والغربية على العالم.

الأثر على الدولار وعلى الهيمنة الأميركية

هذا التخوّف هو الذي دفع الولايات المتحدة إلى ملاحقة أصول العملات الرقمية، التي باتت تعتمد عليها بعض دول منظمة "بريكس"، وعلى رأسها الصين وروسيا، للقيام بتعاملات مالية دولية بعيداً عن الدولار وعن رقابة واشنطن على هذه التعاملات. وقد أطلق المشرّعون الأميركيون حزمة قوانين لمكافحة قطاع العملات الرقمية التي تفرض تأثيراً سلبياً على الدولار الأميركي. وقد نشر الرئيس السابق للجنة تداول العقود الآجلة للسلع تيموثي مسادي بحثاً تساءل فيه هل يمكن العملات المستقرّة التي تستند إلى المعادن الثمينة أن تقوّض الهيمنة العالمية للدولار. هذا ما يجعل واشنطن تكثّف جهودها للسيطرة على سوق العملات في السوقين المحلّية والعالمية لتعزيز هيمنة الدولار الأميركي مع الحفاظ على النظام المصرفي المزدوج القائم على ثنائية التعاملات بالدولار واليورو.

وبالنسبة إلى العديد من المشرّعين الأميركيين، فقد أدّى وجود جهات تسيء استخدام التعاملات المالية عبر اللجوء إلى سوق العملات الرقمية، إلى إصدار تشريعات لمكافحة ممارسات كهذه. وقد أعلن عدد من الرؤساء العامّين لمجموعة من الشركات الأميركية الضخمة أنّ الظروف تسمح بالتحرّك نحو إعادة التوازن إلى العملات المستقرّة لليورو مقابل الدولار على المدى الطويل. ومع ذلك، لا يقتصر الأمر على أوروبا فحسب، بل يتعلّق أيضاً بالتحول الشامل في رقمنة التحويلات المالية العالمية، بما يضمن استمرار هيمنة الدولار على السوق المالية العالمية.

وبالنسبة إلى المشرّعين الأميركيين، فإنّ أحد السُبل المحدّدة لتنظيم العملات المستقرّة يكمن في ضبط عمليات التهرّب من العقوبات على الجرائم المالية. والجدير ذكره أنّ مجموعة كبيرة من الدول التي عانت من فرض الولايات المتحدة لعقوبات مالية عليها، مثل فنزويلا وإيران وروسيا، توجّهت نحو العملات المستقرة والعملات الرقمية لحماية اقتصاداتها. وتعمل منظمة "بريكس" على إطلاق عملتها المستقرّة المدعومة بالذهب كوسيلة ليس للتخلّص من الدولار الأميركي فحسب، بل كذلك كسلاح جيوسياسي لضرب الهيمنة الأميركية العالمية في إطار الاندفاع نحو إقامة عالم متعدّد الأقطاب.