بعد أسبوع على انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لولاية جديدة تستمر حتى العام 2030، وقع هجوم إرهابي في العاصمة الروسية موسكو أودى بحياة المئات وجرح مئات آخرين، في حدث رأى فيه المحللون السياسيون ردًّا على عملية الانتخاب الناجحة التي فشلت الجهود الغربية في التشويش عليها. 

وفي التفاصيل، فقد قام عدد من الإرهابيين بالهجوم على مركز تسوّق كروكوس سيتي في ضواحي موسكو، وبدأوا بإطلاق النار على المدنيين ثم أضرموا النيران في الطابق العلوي من المركز التجاري، ما أوقع 115 قتيلًا إضافة الى جرح مئات المدنيين الآخرين، إذ كان المركز التجاري مكتظًّا بالرواد الذين أتوا لحضور حفلة موسيقية، علمًا أنّ المراكز التجارية في موسكو تكون مكتظة بالرواد ليلة الجمعة عند بدء عطلة نهاية الأسبوع. 

وأعلنت لجنة التحقيق الروسية أنّ الإرهابيين استخدموا سائلًا قابلًا للاشتعال لإضرام النار في قاعة الحفل الملأى بالناس. لجنة التحقيق المكونة من محققين وعلماء مختصّين في الجرائم وخبراء من لجنة التحقيق الروسية يتولّون التحقيق في مكان الحادث. وقد نجحت أجهزة الأمن الخاصة في مقاطعة بريانسك في اعتقال المتورطين في ارتكاب الهجوم الإرهابي بالقرب من الحدود الأوكرانية. 

وأعلن الأمن الفيدرالي الروسي أنّه تم اعتقال أربعة إرهابيين في منطقة بريانسك بعد ساعات من اعتقال إرهابي آخر في مسرح الجريمة. وأضاف الأمن أنّ الإرهابيين حاولوا بعد الهجوم عبور الحدود الروسية مع أوكرانيا وكانوا على اتصال بالجانب الأوكراني من الحدود. 

والجدير ذكره أنّ الهجوم جاء بعد أسبوع من انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين الذي كان قد حقّق إنجازًا في جعل الروس لا يشعرون بثقل الحرب في أوكرانيا عليهم، ما مكّنهم من مواصلة حياتهم المدنية العادية. وهو ما لمسناه في زيارتنا الأخيرة الى موسكو بين 25 و28 شباط الماضي، وسبق أن عبّر عنه الصحافي تاكر كارلسون أثناء تجواله في موسكو قبيل إجراء مقابلته الشهيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبعده. 

اللافت أنّ الحادث أتى بعد ساعة على اعتبار مندوب روسيا في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا في اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أنّ الغرب، بخطاباته، يخاطر بنقل الصراع في أوكرانيا إلى مرحلة جديدة وحادة ولا يمكن التنبّؤ بها. وفي الوقت نفسه، سأل الممثلين الغربيين هل هم مستعدّون لمحاربة روسيا في بلدانهم، وأضاف "إنني أخاطب ممثلي الدول الغربية الجالسين في القاعة، لقد أوصلتم أوكرانيا إلى حافة الهاوية، واستنزفتم كلّ مواردها تقريبًا، وحرمتم السكان من الحقّ في مستقبل لائق. والآن بدأتم تشعرون بالقلق." 

وجاء تصريح نيبينزيا بالتوازي مع إعلان رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، الأدميرال روب باور، استعداد الحلف للمواجهة العسكرية مع روسيا. وأدلى باور بهذا التصريح في مقابلة خلال نشرة إخبارية لوزارة الدفاع الأوكرانية "آرمي إنفورم"، ردًا على سؤال عن مدى استعداد التحالف للنزاع مع روسيا. وأضاف باور: "هل نحن مستعدون؟ الجواب هو نعم! هذه هي مهمّتنا الرئيسية أن نكون مستعدين." 

ويبدو أن هذا الهجوم سيدفع إلى التصعيد بين روسيا والغرب. فلقد اتّهم المسؤولون الروس الولايات المتحدة بالمسؤولية عن الحادث، علمًا أنّ الخارجية الأميركية سبق أن حذرت المواطنين الأميركيين في روسيا من ارتياد الأماكن العامّة لأنّ هنالك معلومات لديها تفيد بأنّ هجمات ستقع في روسيا. وما فاقم من غضب الروس هو عدم تزويد الأميركيين للأجهزة الأمنية الروسية بالمعلومات التي تمتلكها، خصوصًا بعد إعلان جهاز الأمن الفيدرالي الروسي عن أنّ المعلومات التي وردت من الأجهزة الأميركية كانت عامة جدًا. 

جاء الهجوم ليعطي مزيدًا من المسوّغات لدعوة دوغين للعسكرة الشاملة للمجتمع الروسي من أجل مواجهة الحرب الشاملة التي يشنّها الغرب عليه عبر أوكرانيا.

وبينما أشارت الأجهزة الاستخباراتية الأميركية إلى مسؤولية تنظيم الدولة الإسلامية داعش عن الهجوم، استغرب الناشط الأوسترالي المعارض للهيمنة الأطلسية الدكتور تيم اندرسون في تغريدة له قدرة الأجهزة الأميركية على التنبّؤ الدائم بهجمات داعش. ووصل الأمر بأعضاء في مجلس الدوما الروسي إلى المطالبة بقصف أوكرانيا بالأسلحة النووية، وهو ما اعتبر صدى لتصريحات الرئيس الروسي عقب انتخابه حذّر فيها من أنّ السلوك الغربي سيدفع باتجاه مواجهة نووية في العالم. 

وكان اللافت في هذا الإطار سلسلة تعليقات أصدرها الفيلسوف الروسي الكسندر دوغين المقرب من الرئيس بوتين والمعتمد حاليًا على أنّه المؤثّر الأكبر في صوغ الأطر النظرية للقرار السياسي الروسي. فقد أعلن صراحة أنّه "سيكون من الصواب أن تختفي أوكرانيا كلها صباح الغد." 

وأضاف في تغريدة أخرى "يجب أن نواجه الحقيقة... نحن على مسافة قريبة من نهاية العالم. ربما لا يزال من الممكن تجنّب الأسوأ، ولكن الأسوأ أصبح قريبًا بالفعل،" في تلميح إلى احتمال قيام حرب مدمرة بين روسيا والغرب. 

وقد جاء الهجوم ليعطي مزيدًا من المسوّغات لدعوة دوغين للعسكرة الشاملة للمجتمع الروسي من أجل مواجهة الحرب الشاملة التي يشنّها الغرب عليه عبر أوكرانيا، وهو ما أعلنه في مقال سابق بعنوان "دعوة إلى العسكرة الشاملة." وفي هذا السياق، أصدر تغريدة عقب الحادث جاء فيها "ربّما، في ظروف الحرب الشاملة، فإنّ أيّ مؤسسات ترفيهية جماعية غير مناسبة. الآن سوف يحسد الأشخاص الموجودون في الخلف الأشخاص الموجودين في المقدمة (أي الجبهة في أوكرانيا): فهم ينظرون إلى الموت في وجوههم ويحملون أسلحة في أيديهم." 

وقد حدّد دوغين سقف أهداف العملية العسكرية الروسية في تغريدة لاحقة، هي: "يجب تحرير خاركوف وأوديسا ونيكولاييف وكييف وزابوروجي وخيرسون وديبروبيتروفسك وتشرنيغوف وسومي، من دون اللجوء إلى الأسلحة النووية وحرب عالمية واسعة النطاق، إذا كان من الممكن تجنّب ذلك. هذا هو الحد الأدنى للهدف. فالأقلّ لم يعد ممكنًا، وغير مقبول. والسؤال الآن هو، ما الذي يجب القيام به لتحقيق ذلك؟ نصف مليون، أو بالأحرى مليون جندي إضافي مجهزون ومدربون. الانتقال إلى مستوى جديد من تعبئة الاقتصاد والصناعة والعلوم والثقافة والتعليم. العسكرة الكاملة للدولة والمجتمع." 

وما يزيد من تفاقم الأمور ودفعها إلى الأسوأ هو قلّة المسؤولية التي تتعاطى فيها إدارة الرئيس جو بايدن مع الأحداث، خصوصًا أن الرئيس الأميركي أعلن أنّه لن يتّصل بنظيره الروسي للبحث معه في الهجوم الإرهابي الذي وقع في موسكو.