خلال العام 2020، حاولت الولايات المتحدة الأميركية إقناع المملكة العربية السعودية بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، أسوة بباقي الدول العربية من أجل تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً من أجل إيجاد حلّ للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية. وبذلك تكون واشنطن قد جمعت اثنين من كبار حلفائها في مواجهة إيران، وهذا ما سيستثمره الرئيس جو بايدن في سياسته الخارجية بهدف إعادة انتخابه لولاية ثانية.  

لكنّ تسارع التطورات الإقليمية وتردّدات عملية "طوفان الأقصى" أدّيا إلى تعقيد ما كان مرسوماً له على الرّغم من معارضة إسرائيل لمطلب المملكة وهو إنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. إذ كانت السعودية مستعدّة للسير قدماً في محادثات التطبيع نتيجة رغبة حقيقية في السلام مع إسرائيل، وليس نتيجة للضغوط الأميركية. فهي، أي المملكة، تريد حلّ عدد كبير من مشاكل المنطقة، بدءاً بالقضية الفلسطينية. وكان ولي العهد السعودي قد صرّح مراراً بأنّ القضية الفلسطينية هي الأساس في أيّ اتفاق مع إسرائيل. وكان القادة السعوديون قد التزموا توجيهات الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفي مقدّمها العمل جدّياً على تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والحرص على تعاون جميع دول المنطقة، وبينها إيران. 

الرياض ليست في عجلة من أمرها للتوصّل إلى اتفاق مع إسرائيل، وهي على علم بأنّ اعتراف العالم العربي بشرعية إسرائيل يبدأ من خلالها

المملكة وإسرائيل وعائق التوقيع 

لدى كلا البلدين مصلحة في التوقيع، لكنّ العوائق كثيرة إلى الآن. فمنذ أن أعطت الرياض خلال العام 2020 موافقتها الضمنية لواشنطن على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، حرصت السعودية على إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية، لكنّ رفض إسرائيل لذلك لا يزال العائق الأساسي في تقدّم هذه العملية. 

بالنسبة إلى إسرائيل، كان الهدف الرئيس قبل "طوفان الأقصى" هو إبرام اتفاقية سلام مع المملكة العربية السعودية، كون تل أبيب على يقين بأنّ اتفاقيات السلام مع جميع الدول العربية لن تكتمل إلّا من خلال اتفاقية التطبيع مع الرياض.  

وكان بن سلمان قد أكّد لوزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أنتوني بلينكن، أنّ الرياض مهتمّة بالتطبيع مع إسرائيل لدى انتهاء الحرب في غزة وتحديد طريق واضح لإقامة دولة فلسطينية، مع تقديم حوافز اقتصادية بضمانات أميركية ومساهمات أوروبية. وبحسب ما ورد، تعدّ إدارة بايدن خطّة سلام إسرائيلية - فلسطينية تشمل إقامة دولة فلسطينية. وإذا نُفّذت هذه الخطة فستكون خطوة نحو عملية التطبيع. لكنّ تصريح وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين أنّه يؤيّد التخلّى عن الصفقة السعودية إذا كانت تعني إنشاء دولة فلسطينية، ترك انطباعاً بأنّ أمام خطوة التطبيع عقبات كثيرة وليس من السهل تخطّيها. 

لكن ليس هناك أدنى شك في أن لدى إسرائيل الرغبة في التوصّل إلى اتفاق مع السعودية. وكان نتنياهو قد صرّح "أنّ أي اتفاق محتمل مع السعودية سيغيّر منطقة الشرق الأوسط إلى الأبد، وأنّ الاتفاقية مع السعودية، إذا تمّت، ستُظهر للدول العربية الأخرى أنّ القضية الفلسطينية لم تعد عقبة كبيرة أمام التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل"، خصوصاً أنّ تل أبيب تأمل أن ينهي التطبيع السعودي الصراع العربي – الإسرائيلي رسمياً، ويشرّع الباب لإسرائيل من أجل الوصول إلى جميع الأسواق العربية من دون عوائق. 

هل السعودية مضطرة إلى التوقيع؟ وما موقف إسرائيل؟ 

الرياض ليست في عجلة من أمرها للتوصّل إلى اتفاق مع إسرائيل، وهي على علم بأنّ اعتراف العالم العربي بشرعية إسرائيل يبدأ من خلالها. ولي العهد محمد بن سلمان يفضّل الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الأميركية المقبلة، على أمل عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة. 

أمّا نتنياهو فقد انتقد، علانية، التقارير التي تشير إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية، وإلى جانبها المملكة العربية السعودية ومصر والأردن، تعدّ خطة سلام تتضمّن إقامة دولة فلسطينية. وكان متحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي صرّح سابقاً بأنّ مناقشة انشاء دولة للشعب الفلسطيني ليست مناسباً في الوقت الحالي، على الرغم من أنّ إسرائيل تعي حاجتها الفورية إلى التطبيع الرسمي مع المملكة العربية السعودية كونها المفتاح الأساسي للدخول إلى منطقة الشرق الأوسط.  

ختاماً، إنّ عملية التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل تبدو بعيدة المنال، فالمملكة تفكّر في التوقيع جدّياً بشرط إيجاد حلّ لقيام دولة فلسطينية، وإسرائيل تفكّر جدياً بالتخلّي عن الصفقة في حال إصرار السعودية على قيام دولة فلسطينية.