حتّى قبل أن يتوجّه الناخبون الباكستانيون إلى صناديق الاقتراع، اليوم، فإنّ النتائج بدت معروفة سلفاً، منذ أن سهّل الجيش عودة رئيس الوزراء السابق نواز شريف من منفاه في لندن، كي يخوض الانتخابات العامّة التي يتابعها الزعيم الأكثر شعبية عمران خان من وراء القضبان في سجن أديالا بمدينة روالبندي.

الجميع في باكستان يتحدّث عن صفقة بين الجيش ونوّاز شريف، الذي تولّى رئاسة الوزراء ثلاث مرات منذ عام 1990، من دون أن يكمل أيّاً منها، وكانت تنتهي دائماً بمناكفات مع الجنرالات، الذين يملكون اليد العليا في تقرير سياسات البلاد منذ الاستقلال عام 1947. فكيف ستبدو الولاية الرابعة المرجّحة بعد الانتخابات؟ هذا محكوم أيضاً باستمرار شهر العسل بينه وبين المؤسسة العسكرية.

التوتّر السياسي يسود باكستان منذ عزل نجم الكريكيت عمران خان في 2022، للأسباب عينها التي أطاحت نواز شريف ثلاث مرات، آخرها في 2017، واتهامه بالفساد وسجنه قبل أن يسلك طريق المنفى ربما بصفقة أيضاً.

لوهلة، شعر عمران خان الذي خلف نواز شريف بعد انتخابات 2018، أنّ الشعبية التي يتمتّع بها تخوّله أن يصير نداً للجنرالات... لا بل أن يفرض رأيه عليهم. فكان الاصطدام الذي انتهى بعزله في تصويت على الثقة في نيسان 2022. وبداية الاشتباك مع الجيش كانت في إصراره على عزل رئيس الاستخبارات العسكرية (أقوى جهاز في الدولة تاريخياً) الجنرال عاصم منير من منصبه عام 2019. وهذا ما اعتبره قائد الجيش الجنرال قمر باجوى تدخّلاً في شؤون المؤسسة العسكرية. وبعد سقوط الائتلاف الحكومي الذي كان يترأسه عمران خان، عمد رئيس الوزراء الذي خلفه شهباز شريف (الأخ الأكبر لنواز شريف) إلى تعيين الجنرال منير قائداً للجيش.

وبعد ذلك أطلق عمران خان حملة ضد الجنرالات وحرّك تظاهرات حاشدة في أنحاء البلاد، خصوصاً بعد إصابته في محاولة اغتيال لمّح إلى مسؤولية الجيش عنها. وانتهت الأمور باعتقاله في أيار الماضي، والبدء في محاكمته بسلسلة من الاتهامات، بينها إفشاء أسرار الدولة، لأنّه كشف عن برقية من السفير الباكستاني في واشنطن توحي بوجود "مؤامرة" بين واشنطن والجيش الباكستاني لإزاحته من الحكم، بسبب تودّده إلى روسيا وعدم انضمامه إلى نظام العقوبات الغربية ضد الكرملين بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022. كما دين عمران خان بالفساد لعدم تصريحه عن هدايا تلقّاها خلال وجوده في منصبه. كذلك قضت محكمة الأسبوع الماضي بسجنه وزوجته الثالثة سبع سنوات بعد إبطال زواجهما. وقضت المحكمة أيضاً بأنّ زواج عمران خان عام 2018 ببشرى بيبي، التي كانت مستشارته الروحية، كان غير إسلامي وغير قانوني.

كلّ هذه الحملة على عمران خان ترمي إلى إنشاء بيئة غير ملائمة لـ"حركة إنصاف" التي يتزعّمها كي تتبوأ المركز الأول في الانتخابات العامة وانتخابات الأقاليم، اليوم.

إلى التوتر السياسي، تغرق باكستان في أزمة اقتصادية حادّة، عمّقت من الفقر والجوع والنقمة على السلطات

ويبدو أنّ الجيش لم يعد يفضّل الانقلابات المباشرة منذ انقلاب برويز مشرف في 1999، وصار يتحكّم باللعبة السياسية من خلال الأحزاب والبرلمان، كي لا يثير الرأي العام الدولي ويتسبّب بفرض عقوبات على باكستان.

يتحدر نواز شريف مثله مثل عمران خان من لاهور عاصمة إقليم البنجاب الأكثر كثافة سكانية بين الأقاليم الباكستانية. وبحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، فإنّ حزب "الرابطة الإسلامية" الذي يتزعمه شريف يتساوى في الشعبية بـ"حركة إنصاف". لكن حظر المحكمة ترشح عمران خان وحرمان حزبه من شعار مضرب الكريكيت، سينعكسان صعوبة في قدرة الناخبين على اختيار مرشحي الحزب، وتالياً سيفقد الكثير من الأصوات. كما أنّ حكمين متتاليين بالسجن عشرة أعوام و14 عاماً في قضيتين منفصلتين، يعمّقان من شعور مؤيّدي الحزب بالإحباط ومن إمكان خروج رئيس الوزراء السابق من السجن في وقت قريب.

وإلى التوتر السياسي، تغرق باكستان في أزمة اقتصادية حادّة، عمّقت من الفقر والجوع والنقمة على السلطات. التضخّم هو بنسبة 30 في المئة والضرائب التي تجبيها الحكومة لا تكفي لخدمة الدين الخارجي. وجرى تعويم اقتصاد البلاد بواسطة صفقة انقاذ من صندوق النقد الدولي أواخر العام الماضي، لا تزال في حاجة إلى مزيد من المفاوضات هذه السنة.

وسيجد رئيس الوزراء المقبل تحدّيات اقتصادية غير مسبوقة. وركّز نواز شريف في حملته الانتخابية على الاقتصاد، متعهّداً إنشاء وظائف وخفض أسعار المواد الغذائية. والجدير بالذكر أنّه إبان حكمه جرى الانفتاح على الصين التي تبلغ استثماراتها نحو 30 مليار دولار في باكستان، التي باتت بوابة الصين نحو إيران والشرق الأوسط وركناً أساسياً في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية.

وعليه، فإنّ الأزمة الاقتصادية تأتي في مقدّم التحديات التي سيتعيّن على شريف التعامل معها، بالإضافة إلى تزايد نشاط الجماعات الإسلامية المتشددة.

ومعروف عن نواز شريف انتهاجه سياسة مرنة حيال الهند، وكان هذا سبباً وتّر علاقته مع الجيش في الماضي. وفي حملته الانتخابية الأخيرة، حرص على توجيه "رسالة سلام" إلى نيودلهي.

وإلى الهند، يشوب العلاقة مع أفغانستان توتر منذ عادت حركة طالبان إلى الحكم في هذا البلد. وتتهم إسلام آباد كابول بدعم حركة طالبان باكستان المناوئة للحكومة.

ما من رئيس للوزراء في باكستان تمكّن من إكمال ولايته الفعلية، وهي خمسة أعوام. وهذه سمة من سمات الحياة السياسية الباكستانية. ونواز شريف العائد باسم الإنقاذ الاقتصادي يعرف بخبرته وحنكته أنّ صلاحياته تنتهي عندما تبدأ صلاحيات الجيش، إلّا إذا كان استهوى مناخ المنفى الإنكليزي!