اليوم عائلة فيكين - التي لم تهدأ منذ اللحظة الأولى من أجل الإفراج عنه - تعدّ الثواني آملة بوضع حدّ لمأساته في الاعتقال الذي حرمه من المشاركة في وداع والدته



لطالما كانت أثمان الحروب تسدّد سريعاً فيما نتائج اتفاقيات السلم تُحصد ببطء. هذه المعادلة تنطبق على المعتقلين والأسرى الذين قلّما تتزامن عقارب ساعة حريتهم مع عقارب وقف "إطلاق النار". مثلٌ حيٌّ عن ذلك هو واقع حال اللبناني – الأرمني فيكين الجكجيان المعتقل في سجون آذربيجان منذ 10 تشرين الثاني 2020، أي في اليوم الأول لوقف إطلاق النار في إقليم ناغورني قره باغ وتوقيع إعلان مشترك برعاية روسية أفضى الى إنهاء حرب الـ 44 يوماً.

فيكين الذي أبصر النور في 12 تموز 1979 في برج حمود وخدم في مؤسسة الجيش اللبناني - وإبنه تطوّع من بعده فيها - هو نموذج عن اللبنانيين الذين هجّرهم انسداد أفق العيش بكرامة في هذا الوطن. لذا كما كثر ممّن هم من أصل أرمني الذين استعادوا الجنسية الأرمنية واستحصلوا على هويّات وجوازات سفر، عاد الى أرض أجداده عام 2018 بحثاً عن الاستقرار والأمن والأمان.

من يريفان، انتقل عام 2020 الى إقليم ناغورني قره باغ بعدما قدّمت الدّولة الأرمنية مغريات من تأمين أماكن سكن وفرص عمل لمن ينتقل للعيش في الإقليم. حكماً ككلّ الرجال كان احتياطياً في الجيش الأرمني. في اليوم الخامس على اندلاع حرب الـ44 يوماً غادر إلى يريفان، لكنّه عاد إلى الإقليم في اليوم الأول للهدنة لأخذ أمتعته، حيث وقع بيد الآذريين الذين عثروا على صور عسكرية له على هاتفه الخلوي.

كما كثر ممّن هم من أصل أرمني الذين استعادوا الجنسية الأرمنية واستحصلوا على هويّات وجوازات سفر، عاد الى أرض أجداده عام 2018 بحثاً عن الاستقرار والأمن والأمان.

صحيح أنّ الإعلان المشترك الذي وقّع عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كراعِ ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان تضمّن في البند الثامن منه تعهّداً بتبادل أسرى الحرب، إلّا أنّ الملف لم تنتهِ فصوله بعد. غير أنّ تطوّراً مهمّاً دخل على هذا الخط يوم الخميس 7 كانون الأول 2023، مع إصدار طاقم رئيس وزراء جمهورية أرمينيا وإدارة رئيس جمهورية أذربيجان بياناً مشتركاً يكشف التوصل إلى اتفاق يقضي بإطلاق باكو سراح 32 معتقلاً أرمنياً ( 26 عسكرياً و6 مدنيين) مقابل إطلاق يريفان سراح جنديين أذربيجانيين. مصادر من الجانبين أكّدت أنّ اسم فيكين مدرج على لائحة المفرج عنهم.

اللافت أنّ هذا الاتفاق لم يأتِ تطبيقاً لبنود الإعلان، بل انطلاقاً من مصالح آنية تتمثّل بدعم أرمينيا إستضافة أذربيجان الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP29" مقابل دعم أذربيجان لترشيح أرمينيا لعضوية مكتب مجموعة أوروبا الشرقية "COP" كـ "بادرة حسن نية" وفق البيان الصادر عن الطرفين.


رغم أنّ "الشيطان يكمن في التفاصيل" خصوصاً في عمليات التفاوض، إلّا أنّ ذلك لم يردع النائبين اللبنانيين من أصل أرمني أغوب بقرادونيان وبولا يعقوبيان عن المسارعة إلى إطلاق المواقف عبر منصة "أكس" في 8 كانون الأول 2023 في إطار تنافسهما ومناكفاتهما المستدامة. فبقرادونيان كتب: "في حال صدقت النوايا، سيتمّ إطلاق سراح الأسير اللبناني فيكين أولجكيان من السجون الأذربيجانية. بانتظار حريّة فيكين، نشكر الجهود المبذولة من قبل وزارة الخارجية والسلطات الأمنيّة اللبنانيّة". أمّا يعقوبيان فكتبت: "مبروك ليندا وكريستين، فيكين الجكجيان من بين الأسرى يللي طلعوا مبارح مساء. بفضل جهودكم المستمرّة ومتابعتكم للقضية ڤيكين راجع يعّيد معكم. ألف الحمدالله ع سلامته".


بقرادونيان سارع إلى المطالبة بشكر الجهود المبذولة من قبل وزارة الخارجية والسّلطات الأمنيّة اللبنانيّة التي كان دورها أقلّ من هامشي حتّى أن وزير العمل مصطفى بيرم خلال زيارته باكو في 22 تشرين الثاني 2023 لم يثر قضية فيكين، لا بل حيّا "شهداء المقاومة في أذربيجان" ما استفز اللبنانيين من أصل أرمني. أمّا يعقوبيان فجزمت خروجه مباركة. لم ينتظرا التثبّت من إتمام عملية تبادل الأسرى، فـ "لوثة" التنافس التي تتملّك معظم السياسيين اللبنانيين - حتّى على حساب أوجاع المواطنين وقلق الانتظار - تدفعهم إلى التسرّع لا السرعة في مقاربة الخبر.

اليوم عائلة فيكين - التي لم تهدأ منذ اللحظة الأولى من أجل الإفراج عنه - تعدّ الثواني آملة بوضع حدّ لمأساته في الاعتقال الذي حرمه من المشاركة في وداع والدته، خصوصاً بعد أن صدر بحقه حكماً بالسجن 20 عاماً في 14 حزيران 2021. فتواصلت مع الصليب الأحمر الدولي والمنظّمات الإنسانيّة المعنيّة. كما تحرّكت محلّياً على أكثر من صعيد نيابي ورسمي من وزارة الخارجية إلى اللواء عباس إبراهيم. كذلك، سافرت إلى أرمينيا لمتابعة ملفّه مع السلطات المحلّيّة ومع الوسيط الأميركي. فعسى أن تبلغ المفاوضات بين يريفان وباكو خواتيمها السعيدة ويعود فيكين إلى حضن لبنان الوطن الذي أحب.