حماس قادرة على الاستمرار بهذه الوتيرة القتالية لأشهر طويلة

هي ساعات قليلة وتذهب إسرائيل مرغمة إلى "هدنة إنسانية" ما يزال توقيتها بين مدّ وجزر حتّى هذه اللحظة، إلّا أنّها حاصلة لا محال، وهي ستسمح بانقشاع غبار المعركة ما سيضع رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو أمام إمتحانات داخلية صعبة جداً منها، الإقتصادية والسياسية والعسكرية والشعبية، والتي قد تبدأ بتوسّع الشرخ السياسي داخل الكنيست ولا تنتهي بإحصاء الخسائر، فضلاً عن توسع رقعة الاحتجاجات الشعبية خصوصاً تلك التي يخوضها أهالي المحتجزين لدى حماس.

عسكرياً، يُجمع خبراء عسكريون وحتى بعض وسائل الإعلام العبرية بأنّ ما تتكبّده إسرائيل خلال توغّلها البري في قطاع غزة، هو أكثر بكثير ممّا يعلن عنه ويلاحظ ذلك من خلال توثيق حماس لعملياتها العسكرية البطولية ضد القوات البرية، بالإضافة إلى ما ينشر بين الحين والآخر عبر مواقع التواصل الإجتماعي على أنه صور لجنود اسرائيليين قتلى بينما الارقام الرسمية التي تنشرها تل أبيب عن أعداد القتلى الإسرائيليين لا يتجاوز الـ30 قتيلاً منذ إعلانها بدء العمليات البرية قبل نحو أسبوعين.

في المقابل، أعلن الناطق العسكري باسم حماس "أبو عبيدة"، أنّ القسام وثقت تدمير 136 آلية عسكرية إسرائيلية تدميراً كلياً أو جزئياً خلال المعارك المستمرة، مشيراً إلى أنّ الجيش الاسرائيلي، يتفادى الالتحام الكامل مع المقاتلين الفلسطينيين.

إقتصادياً، تُجمع وسائل إعلام عبرية وعالمية على فداحة الخسائر الاقتصادية التي لحقت وتلحق بإسرائيل في كل يوم تطول به الحرب، لافتةً إلى أنّ الكلفة حتّى الآن لامست الـ13 مليار دولار أميركي، فيما رجحت أن ترتفع هذه الكلفة إلى 20 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري 2023.

كذلك، تفنّد وسائل إعلام عبرية الأضرار التي لحقت بـ24 مستوطنة بغلاف غزة، منذ 7 تشرين الأول الفائت، إذ بلغت نحو 2 مليار دولار حيث تدمّر بعضها بشكل شبه كامل، بينما قد تصل تكلفة ترميم المناطق المتضررة إلى نحو 4 مليارات دولار.

وفيما يخص الأضرار الناجمة عن إطلاق الصواريخ من قطاع غزة فقد بلغت نحو 1.3 مليار دولار، كما وصل دعم المستوطنين الذين تم إجلاؤهم إلى نصف مليار دولار، كما أظهر مسح إسرائيلي الأسبوع الفائت تراجعاً حاداً في عائدات نصف الشركات الإسرائيلية خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.

ورجّحت وزارة المال الإسرائيلية في وقت سابق أنّ يؤدّي استمرار الحرب على قطاع غزة لفترة طويلة إلى تعريض اقتصاد إسرائيل للركود خلال ما تبقى من العام الحالي والعام المقبل، محذرة من أنّ الآثار ستكون أكبر في حال توسّعت الحرب لتشمل جبهات أخرى.

أما دولياً، يتبدل المشهد يوماً بعد يوم، ويزداد تعاطف الشعوب مع القضية الفلسطينية بعدما فُضح زيف الادعاءات الاسرائيلية الذي رافق الأيام الأولى للحرب، إذ تجد الحكومات الغربية نفسها في مأزق تبرير الدفاع والدعم لإسرائيل، كما تستشعر خطورة التحركات الشعبية في عواصمها وكبريات مدنها، خصوصاً تلك المقبلة على إنتخابات تخشى أن يكون لهذه التحركات اليد الطولى في رسم خرائطها السياسية والكلمة الفصل في صناديق الاقتراع وأولها الإنتخابات الأميركية التي ستجري على بعد سنة من الآن.

نصرالله يريد احتساب الإنتصار صافياً لـ"غزة" 

من جهته، يعرف حزب الله أكثر من غيره أهمّية ما انجزته وتنجزه حماس حتّى الساعة عسكرياً، وهذا ما فسّر وفق مصادر مطلعة أنّ أحد أهمّ الأسباب التي دفعت بأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لأن يكون على ذاك المستوى من البرودة في كلمته الأخيرة، من أجل أن يُحسب النصر صافياً إلى غزة ومن خلفها حماس وبذلك تكون أثبتت للأقربين قبل الأبعدين أهميتها العسكرية وكلمتها الفصل في أي شأن يُبحث مستقبلاً على صعيد القضية الفلسطينية ككل في عواصم القرار الغربية والتي تقاطعت رغبتها مع قوى عربية كبرى في القضاء على حماس كلياً، أقلّه لكي لا تنتهي هذه الحرب بولادة نموذجاً مصغراً عن حزب الله وفق تقديرها، وليبقى الملف الفلسطيني بيد السلطة الفلسطينية وحدها والمتمثلة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس.

كذلك، من المتوقع أن تكون كلمة نصرالله السبت المقبل أكثر تصعيداً خصوصاً مع تطور الأحداث على الجبهة الجنوبية وخرق اسرائيل لقواعد الاشتباك المعمول بها واستهدافها لعدد من المدنيين، في حين لا تقلل المصادر من أهمية الدور الذي من الممكن أن يلعبه لبنان في اطار ما تشهده المنطقة من سخونة غامزة من قناة زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين المفاجئة والسريعة للبنان وما رافقها من تطورات عسكرية تصاعدية جنوباً من دون استبعاد أن يكون حتى نتنياهو قد وجه بعض الرسائل لأميركا عبر الجبهة اللبنانية.

وتقدر المصادر التي تدور في فلك محور المقاومة أنّ حماس قادرة على الاستمرار بهذه الوتيرة القتالية لأشهر طويلة، مستبعدة أن تكون إسرائيل قادرة على الاستمرار بالتوغل البري لأكثر من أسابيع في ظل ما تتكبده من خسائر، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أن تكتيك الجيش الاسرائيلي في فصل شمال غزة عن جنوبها ودفع المدنيين الى الجنوب، وبعدها ارغامهم بالتوجه إلى سيناء لن يكون مجدياً رغم ما يرافقه من آلة اعلامية،  إذ أن القتال لم يتجاوز الـ300 متر الأولى من أطراف بيت حانون شمالي القطاع بعد 12 يوماً من بدء عمليته البرّية.