ثكلى تفتّش على موت أولادها على ضوء هاتفها الذكي وأب يحمل أشلاء أطفاله في أكياس بلاستيكية... عار يخجل من عار وعلى حدود غزة جيش عربي جرار! 

يُكبّل الواقع الغزّاوي الأليم فكر صنّاع الرأي ويكاد هول المشهد لا يُسعف أقلامهم في الوصف والنشر والتعليق لإيفاء الحقّ في نقل الصورة، حيث تبقى الكتابة أبلغ من لفظ الكلام، كما ويشعر المرء أحياناً أنّه بحاجة لنفس يختلط هواؤه برائحة البارود وغبار الركام ليتّسع صدره ويستوعب كلّ ما أصاب وسيصيب أهالي قطاع غزّة المحاصرين بلا ماء أو طعام أو كهرباء منذ 13 يوماً.

ومن زاره القلق والكوابيس خلال الأيام القليلة الفائتة، عليه أن يزهو بنفسه لأنّ في ذلك خير وعافية، ليس على صعيد الصحّة الجسدية والنفسية والفكرية، إنّما على صعيد الإنسانية، على الرّغم مما يدأب عليه الغرب في تطويع وسائل الإعلام الحديث لتصبّ في مصلحته من خلال إعادة ترتيب أولوياتنا حسب الـ"ترند" أو وفق أجندات غالبية الشبكات الإعلامية الكبرى، علّها بذلك تنسينا شيئاً من قضايانا الأهمّ وتبيعنا رأياً عامّاً رمادي اللون معلّباً وجاهزاً للتداول.

تتبدّل معارك الأنظمة العربية اليوم من عناوين وشعارات كُتبنا المدرسية (شرف، شجاعة، نخوة، اغاثة ملهوف، شد أزر...) إلى مجرّد معركة "كسر حصار"، أو بمعنى آخر إدخال رغيف من الخبز... والمفارقة أن لا خجل يظهر على وجوه أخوة فلسطين، بل تجحظ عيونهم أمام عدسات الكاميرات في مؤتمرات الشجب والاستنكار وكأنّهم يقولون للمجرم "ما لا يقال"! بدلاً من إستعادة فلسطين كلّ فلسطين أرض الأنبياء ومهد المسيح ومسرى الرسول.

عالم عربي نفطي من محيطه إلى خليجه ينتج يومياً ما يقارب الـ 24 مليون برميل نفط يومياً، يعجز بعد نحو أسبوعين من الحصار المفروض على بقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها الـ360 كلم 2 عن إدخال ليتر من المازوت لمولّدات المستشفيات في غزة والتي تغصّ كلّ زاوية فيها بالمصابين والجرحى. أسخرية قدرٍ هي، أم ماذا؟

ثُلة على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة اختاروا عدم السكوت والخنوع والخضوع، أخذوا المواجهة خياراً ويومياً يلقّنون العدو دروساً قتالية، فيَقصَفون مرّة ويُقصَفُون مرّات، يسقُطُون أفراداً ويردّون بقتل المجموعات، فتتحرك أساطيل الدول العظمى تهديداً ووعيداً لإرهابهم، ومن ثم يرسلون لهم عبر وسطاء رسائل تفاوضية ومقايضة على مكاسب سياسية ليتخلّوا عن خيار المواجهة، فيديرون الأذن الصمّاء ويُكْملون ما بدأوا.

عار يخجل من عار وعلى حدود غزة جيش عربي جرار

في المقابل، هناك من يجترح حلولاً على هيئة تهجير أهل غزة الراغبين بالخروج إلى الصحراء! ريثما يتخلّص رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو من إبادة الصامدين منهم إلى جانب بضعة آلاف ممن تمرّدوا على ظلم الاحتلال وخرجوا شاهرين سيوفهم يوم 7 تشرين الأول ليأسروا ويفاوضوا ويحرّروا أسراهم.

تكرّر المشهد أمس الأول، ونام نتنياهو قرير العين ولم يزره الأرق الذي زار غولدا مائير ليل الـ 21 من آب 1969 عندما أُحرق المسجد الأقصى على يد متطرف استرالي، ظنّاً منها أنّ العرب سيهاجمون اسرائيل من كلّ حدب وصوب، طلع فجر الـ22 من آب 1969 على إسرائيل والعرب نيام وبقيت شمسه ساطعة منذ ذلك اليوم وحتّى فجر الـ7 من الشهر الحالي.

ترى كيف تابع حكّام أمّتنا تلك الأُمّ الثكلى التي تفتّش على موت أولادها على ضوء هاتفها الذكي في باحة مستشفى المعمداني؟ وذاك الأب الذي يحمل أشلاء أطفاله في أكياس بلاستيكية! عار يخجل من عار، وعلى حدود غزة جيش عربي جرار عديده يقارب المليون عسكري بتصنيف دولي مرموق، وما من يحرّك ساكناً إزاء مجازر تبيد أطفالاً عن بكرة أبيهم وأي أب؟ فحتّى الأب بات يسابق أبناءه إلى الموت خوفاً من نظرة العجز.

ومن أقنع الفرد منّا أنّه بلا تأثير، فليعيد حساباته ويشاهد الرسالة التي أوصلها الإعلامي المصري "المتمرّد" باسم يوسف إلى العالم نيابة عن أكثر من 500 مليون عربي رمادي، والتي تُلَخص ألف سطر وسطر من حكاية الصراع العربي – الاسرائيلي، وتُبيّن للعالم حقيقة ما يجري على أرض غزة وفي فلسطين وهو ليس وليد اليوم أو الأمس فقط، بل شاخَ وناهز الـ 75 عاماً.

وما جرى يوم أمس عندما خرجت الشعوب العربية للساحات ينذر بربيع عربي حقيقي، حيث تظاهر الآلاف أمام سفارات الدول المستميتة في دعم الإرهاب الإسرائيلي، وأعاد تصويب البوصلة العربية نحو القدس.