أين هو؟ سؤال لا بد من الإجابة عليه ولا بدّ أنّه معلوم من قبل كثر يملكون الجواب ويملكون ما يعفيهم من المساءلة

رياض سلامة وين؟ ليس بسؤال إنّما هو نسبة لـ "جون وين"، بطل أفلام الويسترن الشهير. ويجوز السؤال رياض سلامة أين؟ سلامة الحاكم السابق للمصرف المركزي والذي كان الشغل الشاغل لأهل السياسة والإعلام وللشعب المنكوب منذ سنوات طويلة ولا قيامة له في مستقبل قريب.

رياض سلامة وين، قصّة الغرب الأميركي ورعاة البقر، إنها قصة السكان الأصليين الذين صوّرهم الإعلام على أنّهم وحوش، وصوّر المستعمرين الأوروبيين على أنّهم الأبطال. وها نحن اليوم نقرأ من هنا ونسمع من هناك أنّ سلامة المقبل، الدور والوظيفة، بانتظار وصول مستعمر جديد. مواصفاته لا بدّ وأن تكون "أميركية". وبانتظار "التسوية" الرئاسية، والتي يطلق عليها البعض تحبّباً مبادرة أو تشاوراً أو حواراً، للتغطية على عدم القدرة الوطنية على التوافق أو التنافس من دون مباركة أو تسهيل إقليمي أو خارجي. يبقى الحاكم بالإنابة وسيم منصوري الذي كان زار العاصمة الأميركية واشنطن كنائب أول للحاكم، ليعود بعدها حاكماً ولو بالإنابة.

والقضية الرّاهنة وما نعانيه اليوم أصله وفصله تثبيت سعر صرف العملة المحلّية مقابل الدولار الأميركي. وما آلت إليه أحوال "الهنود الحمر" سكّان أميركا الأصليين، في المحميات حيث تحوّلوا إلى تراث ترفيهي أو كانتونات متباعدة، تتقلّص أعدادهم باستمرار وينحسر حضورهم في كل المجالات، يمكن مقارنة أحوالهم بما وصلت إليه الليرة اللبنانية الحائرة بين دولرة ولولرة، وبين طازج ومضى عليه الزمن. من عملة كانت في ظل الحرب الأهلية بين العام 1975 والعام 1982 تساوي 3 ليرات مقابل الدولار الأميركي، وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 ورغم كل ما خلّفه من دمار، وصل سعر صرف الدولار الأميركي إلى 14 ليرة لبنانية فقط لا غير. وبين العام 1986 و1992 قفز سعر الصرف إلى ثلاثة آلاف ليرة للدولار الأميركي الواحد. وحين اعتمدنا تثبيت سعر الصرف على الـ 1500 ليرة للدولار، وصرفنا ما صرفنا على تثبيت هذا السعر الوهمي، انهارت العملة بعد تشرين الأول 2019 ولا زال الانهيار مستمرّاً.

هي السياسة المالية إذاً، وهو رياض سلامة المبدع الذي حصد الجوائز العالمية على نشاطه المالي طبعاً وأدائه كحاكم للمصرف المركزي. فهل كان العالم يجهل ما يفعله الرجل؟ أم أنّ المكافآت كانت على ما فِعله كما يفترض أن تكون؟ وحين نقول مال ومصارف لا يمكن أن نتجاهل دور صندوق النقد الدولي وسياساته؟ ولا يمكن أن نغض الطّرف عن الديون التي حصل عليها لبنان وعن آلية مراقبة الدين المرتبط بتنفيذ مشروعات وبرامج تنمية وإنماء. فأين كان هذا المجتمع العالمي الذي تبرّع بأموال وأعطى القروض عن مراقبة جدوى المال والمشاريع التي موّلها؟

وها نحن اليوم ننتقل من منصّة صيرفة المحلّيّة الصنع إلى منصّة بلومبيرغ الأميركية وهي من انتاج شركة أسسها رجل الأعمال "مايكل بلومبيرغ" والصحافي "ماتيو وينكلر". ونحن في ما نحن فيه نتيجة أداء رجال الأعمال في السلطة واستمالتهم لأهل الصحافة للترويج والدعاية.

لا يجوز تمرير عفو عام عن الارتكابات المالية كما حصل مع العفو العام عن المرتكبين خلال سنوات الحرب الأهلية 

وبالعودة إلى السؤال، رياض سلامة أين؟ فإذا كان عن الدور فلا حاجة بنا للإطالة عنه طالما أنّ الإنجازات تتكلّم عن نفسها، وعلى القضاء المحلّي أن يسبق القضاء الغربي وليس أن يلاقيه فقط في فتح هذا الملف الشائك للخروج بحكم صريح وشفاف لا يقول بمنع المحاكمة بل بكشف كلّ ما حصل خلال تلك الحقبة من ارتكابات، لا يجوز تحميلها للمجهول، ولا يجوز تمرير عفو عام عن الارتكابات المالية كما حصل مع العفو العام عن المرتكبين خلال سنوات الحرب الأهلية من قتل ونهب وتدمير وتهجير. إن أخطأ، فلا بد من الحُكم على الخطأ، وإن ارتكب، فلا بد من محاسبة عن الارتكاب، وإن كان بريئاً، لا يجوز تجهيل الفاعل، فالحديث عن فساد لا يستقيم من دون تحديد الفاسدين ومساءلتهم.

ولأنّ "أين"، لا بد وأن تشمل المكان. يحضر السؤال الأهمّ فعلاً أين هو رياض سلامة؟ هل فعلاً تم تهريبه خارج البلاد ومن مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي كما يقول البعض. أو إنّه غادر إلى الأراضي السورية ومنها إلى البرازيل كما لمّح البعض الآخر. أم أنّه فعلاً هنا في ربوع هذا الوطن الأخضر، واللون هنا مستوحى من الدولار الأميركي، حيث يمضي الرجل وقته في نقاهة بعيداً عن الضوضاء في منزل من منازله الكثيرة، أو في ضيافة أحدهم ممن يستطيع توفير مظلّة للرجل تحميه من الشمس وحرارتها وتقيه حرّ الصيف وبرد الخريف.

أين هو؟ سؤال لا بد من الإجابة عليه ولا بدّ أنّه معلوم من قبل كثر يملكون الجواب ويملكون ما يعفيهم من المساءلة. تحية تقدير لرجل الأمن الذي حَمَل التبليغ ودار به من مكان لآخر.