قامت الإدارة الأميركية، بحسب مراقبين أميركيين، بتوقيع إتفاق سرّي مع الجمهورية الإسلامية في إيران وذلك لزيادة إنتاجها من النّفط بهدف تعويض الكمّيات التي افتقدها السوق نتيجة خفض إنتاج كلّ من المملكة العربية السعودية وروسيا

في الدول الديموقراطية التي تتمتّع شعوبها بوعي سياسي كافٍ لاختيار طبقة سياسية قادرة على إدراة مصالحها بشكل فعّال، يكون للعوامل الإقتصادية دور أساسي في تحديد آراء النّاخبين. هذا حال العديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا التي أشعلتها ضريبة على المحروقات وخلّفت حركة إعتراضية عُرفت بـ "السترات الصفر".

كذلك الحال في الولايات المُتحدّة الأميركية حيث تسعى إدارة الرئيس جو بايدن إلى خفض أسعار المحروقات مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية. لكنّ الرياح تجري بما لا تشتهي السّفن، فقد عمدت المملكة العربية السعودية وروسيا إلى خفض إنتاجهما من النفّط لترتفع الأسعار بأكثر من عشرين دولارًا للبرميل الواحد. وإذ أكّدت المملكة العربية السعودية أنّ التّعاضد القائم في مجموعة أوبك + لا علاقة له بما يجري في أوكرانيا ولا يُمكن إعتباره موقف ممّا يحصل هناك، من المرجّح أن يستمرّ العمل في هذا الإنخفاض في الإنتاج إلى منتصف العام القادم، ليقوّض هذا الأمر مساعي الإحتياطي الفديرالي الأميركي في خفض التضخّم في الولايات المُتحدة الأميركية من دون الوصول إلى ركود إقتصادي، ويُقوّض مساعي واشنطن في خفض كلفة المحروقات في محطّات الوقود مع ما لإرتفاع الأسعار من تداعيات سلبية على حظوظ بايدن بقطف ولاية رئاسية ثانية.

ولتخطّي هذه المُشكلة، قامت الإدارة الأميركية، بحسب مراقبين أميركيين، بتوقيع إتفاق سرّي مع الجمهورية الإسلامية في إيران وذلك لزيادة إنتاجها من النّفط بهدف تعويض الكمّيات التي افتقدها السوق نتيجة خفض إنتاج كلّ من المملكة العربية السعودية وروسيا. وبحسب وكالة "بلومبرغ"، إرتفع إنتاج إيران من النّفط الخام من 2.57 مليون برميل يوميًا في آب 2022 إلى 2.83 مليون برميل يوميًا في تموز من العام الجاري. وتُضيف الوكالة أنّ هناك صفقة تمّ عقدها بين المسؤولين الإيرانيين وإدارة الرئيس جو بايدن تنصّ على تحرير السجناء بالإضافة إلى الأموال المُجمّدة مع البدء بمشاورات لإعادة إحياء الإتفاق النووي، بالإضافة إلى بند سرّي ينصّ على غضّ نظر من قبل الأميركيين عن بيع طهران للنفط للأسواق الآسيوية. وهو ما يُفسّره المراقبون على أنّه أحد بنود الصفقة في وقت يحتاج بايدن إلى إستقطاب الرأي العام الأميركي الذي يجد أنّ سعر المحروقات مُرتفع جدًا.

وبحسب بعض المراقبين، كان الرأي العام العالمي مُتفاجئ عند إعلان صفقة تبادل السجناء بين إيران والولايات المُتحدة الأميركية، بحيث أنّ هذه الصفقة تصبّ في مصلحة إيران بالدّرجة الأولى بحكم أنّ السجناء الأميركيين (من أصل إيراني) لا يحملون أسرارًا تدفع الولايات المُتحدة الأميركية إلى التنازل بهذا الشكل. من هذا المُنطلق، أخذ المراقبون يتتبّعون حركة الملاحة البحرية وتوصّلوا إلى أنّ السفن الإيرانية تتحرّك بحرية كاملة بإتجاه الصين (المستورد الأول) ودول آسيوية أخرى من دون أن يكون هناك أية إجراءات عقابية من قبل الإدارة الأميركية. وهو ما تمّ تفسيره على أنّه صفقة من تحت الطاولة تمّت بين طهران وواشنطن، ظاهرها تبادل السجناء وباطنها تعويم السوق بالنّفط الإيراني خصوصًا بإتجاه السوق الآسيوي حيث ليس من المُمكن على إدارة بايدن تغطية تعامل شركات غربية مع إيران من دون فرض عقوبات عليها.


عمليًا الطرفان يربحان من هذه الصفقة، فالولايات المُتحدة الأميركية تأمل خفض الأسعار في سوق النفط نتيجة ضخّ النفط الإيراني، خصوصًا أنّه مع الكميّة التي خفّضتها كلّ من المملكة العربية السعودية وروسيا، من المتوقّع أن يرتفع سعر برميل النّفط إلى مستويات تتخطّى المئة دولار أميركي. وهذا إن حصل (أي خفض الأسعار) سيسمح لبايدن باستسقطاب ناخبين مُمتعضين من إرتفاع أسعار المحروقات. من جهة إيران، فقد ربحت أكثر من 12 مليار دولار أميركي سيولة من أموالها المُجمّدة في الغرب (منها 6 مليارات دولار أميركي من الأموال المُجمّدة في الولايات المُتحدة الأميركية) بالإضافة إلى إعادة المفاوضات لإحياء الإتفاق النووي، وزيادة مداخيلها من بيع النفط.

عمليًا، كلّ ما ورد يجعلنا نقول أنّ نجاح هذه الصفقة مرهون بردّة فعل كلّ من المملكة العربية السعودية وروسيا. فإذا لم تتخذ هاتان الدولتان أية إجراءات إضافية لتخفيض إنتاجهما، فإنّ كمية النفط الإيراني قد تُعوّض النقص. وللتذكير فإنّ أعلى مستوى إنتاج نفط في إيران وصل إلى أربعة ملايين برميل في العام 2005، وبالتّالي، إذا إستطاعت إيران في الأشهر القادمة رفع إنتاجها إلى هذا المستوى، فسيُعاود سعر برميل النفط إنخفاضه إلى مستويات ما قبل خفض المملكة العربية السعودية وروسيا. الجدير ذكره أنّه وبحسب التقديرات، فإنّ قدرة إيران الإنتاجية الحالية ستسمح لها بالوصول إلى 3.5 مليون برميل يوميًا في الأشهر القادمة.

أمّا إذا قامت المملكة وروسيا بخفض إضافي لإنتاجهما، فإنّ أسعار النّفط لن تنخفض وهذا أمر تعرفه إدارة بايدن. لذلك، تقول المعلومات أنّ إدارة بايدن تعمل على خطّ فنزويلا لزيادة إنتاجها من النّفط لنفس الأسباب التي عملت عليها مع إيران. وبالتّالي فإنّ إنتاج فنزويلا من النفط يزداد أيضًا حيث إرتفع من 681 ألف برميل يوميًا في آب 2022 إلى 772 ألف برميل في حزيران 2023 وهو ما يسمح للسوق بإستيعاب ما يفوق المليوني برميل إضافية في النهار (ما بين إيران وفنزويلا) تسمح بتعويض خفض إنتاج المملكة العربية السعودية وروسيا.

لكن ما علاقة لبنان بكلّ ما سبق؟

الإتفاق السرّي بين حكومة بايدن وإيران يمكن أن ينعكس على لبنان بشقّين. الشقّ الأول مباشر من خلال إنخفاض أسعار النفط العالمية وهو ما سيُخفّف العبء على الشعب اللبناني في حال نجح الإتفاق، والثاني من باب ملفّ رئاسة الجمهورية حيث قد يكون هناك نقاط تطال هذا الملفّ وبالتّالي قد نشهد حلحلة في الأسابيع والأشهر القادمة.