لا تزال الأزمة الإقتصاديّة مستمرّة، للسنة الرابعة على التوالي، منعكسة على جميع أنواع السّلع والمواد الغذائيّة، وخصوصا أسعار المحروقات التي تحلّق صعوداً للشّهر الثالث على التوالي

على الرّغم من موجات الحرّ القاسية التي لا تزال تسيطر على طقس لبنان، بدأ أهالي القرى وكعادتهم من كلّ عام، منذ مطلع شهر أيلول، بالتحضير لموسم الشتاء، عبر تأمين وسائل التدفئة. فدرجات الحرارة المرتفعة في العاصمة بيروت، لم تمنع نسمات الصقيع في عكّار، والبقاع الأوسط والشمالي والغربي، من تذكير أهل القرى بأنّ الشتاء أصبح على الأبواب، وبأنّ الوقت حان لبدء مراسم الاستقبال.

وفيما لا تزال الأزمة الإقتصاديّة مستمرّة، للسنة الرابعة على التوالي، منعكسة على جميع أنواع السّلع والمواد الغذائيّة، وخصوصا أسعار المحروقات التي تحلّق صعوداً للشّهر الثالث على التوالي، على الرّغم من استقرار سعر الدولار في السوق الموازية، (ولو أنّ هذا الإستقرار مصطنع). وفي الوقت الذي تستمرّ نسب التضخّم بالإرتفاع، ما ينعكس مزيداً من التراجع في قيمة العملة المحلّيّة مقابل الدولار، أمّا رواتب موظفي القطاع العام فتراوح مكانها، لتتآكل معها القدرة الشرائيّة للمواطنين أكثر فأكثر، سؤال يُطرح حول وسائل التدفئة التي اختار المواطنون اللجوء إليها هذا العام؟

لا حطب سنديان.. والنّاس تلجأ إلى الأرخص


وفي هذا الإطار تواصل موقع "الصفا نيوز" مع جريس بو مارون، أحد تجّار الحطب، للاستفسار عن أسعار الحطب هذا العام وأي ّنوع مطلوب أكثر. حيث أوضح بو مارون أنّ "الناس تلجأ بالدرجة الأولى إلى أرخص أنواع الحطب بغضّ النظر عن نوعه، والموظفون غالبا هم من يلجأون إلى استخدام الحطب للتدفئة وليس أصحاب المصالح الحرّة. حيث أنّ راتب الموظّف لا يسمح له بشراء المازوت. وعليه تبدأ أسعار متر الحطب من 70$ وهو حطب الدرّاق (أرخص الأنواع)، فيما كان سعر متر حطب الدرّاق العام الماضي 60$ إلاّ أنّه وبعد منع التجّار من نقل الحطب من قرية لأخرى، في محاولة من الجيش اللبناني لضبط تهريب الحطب من سوريا إلى لبنان، ارتفع سعره 10$.

"ويأتي بعد حطب الدرّاق حطب التفّاح والخوخ والمشمش واللوز وكلّ أنواع أشجار الفاكهة، والمتر منها أغلى بـ 20$، لكون نوع هذه الأشجار أقوى لدى الحرق وأكثر تدفئة"، بحسب بو مارون.

وأكّد أنّ "لا حطب سنديان هذا العام، لكون الجهات المعنيّة توقّفت عن إعطاء الرّخص، بسبب القطع العشوائي لهذه الأشجار، والتأثير السلبي الذي يتركه على البيئة. أمّا من كان لديه كمّيّات حطب سنديان من السنوات الماضية فيبيع متر الحطب الحاضر للنار (المقصوص) بـ 130$. والسعر نفسه ينطبق على متر حطب الليمون. أمّا حطب التفّاح والخوخ والأكيديني فيباع المتر الواحد منهم بـ90 و100$."

الطلب ارتفع 80% فيما الكمّيّة تراجعت 50%

وعن حاجة العائلة الواحدة من الحطب يقول "تحتاج الأسرة إلى 5 أمتار حطب بالسنة، وتبدأ كلفتها من 450$، تكفيها للأشهر الثلاث الأصعب في فصل الشتاء وهي كانون الأوّل وكانون الثاني وشباط. أمّا الشهرين المتبقيين فتحاول الأسر عادة أن تحصر إشعال النار فيهما، لساعات الليل المتأخّرة. أمّا إذا أرادت العائلة تأمين كميّة حطب تكفيها طوال فترة الشتاء وهي 5 أشهر فستحتاج من 10 أمتار إلى 12 متر، وتبدأ كلفتها من 900$".

وعن حجم الإقبال على الحطب هذا العام يلفت بو مارون إلى أنّ "الطلب ارتفع 80% إلاّ أنّ الكميّة تراجعت إلى النصف. ففي السنة الماضية كنّا نبيع 100 بيك أب حطب لـ40 أسرة، أمّا هذا العام فبعنا 100 بيك أب حطب لـ300 زبون. فالنّاس اشترت كميّات الحطب للضرورة القصوى، ولحاجتها الملحّة".

وعن أسعار مدفأة الحطب فسّر أنّها "تتراوح بين الـ100$ والـ 700$ حسب حجمها ونوع الحديد المستخدم ومدى سماكته".


الجفت أكثر طلباً من الحطب

وإلى جانب الحطب، يأتي "الجفت"، وهو تفل الزيتون بعد أن يتمّ عصره، يكبس على شكل حطبة، وهو معروف بقوّته في التدفئة وبسعره الزهيد، كما أنّه لا يحتاج إلى شعلة. وهو ما يشرحه أبو حسين يوسف، أحد تجّار الجفت، في حديثه لموقع "الصفا نيوز" مشيرا إلى أنّ "سعر طنّ الجفت انخفض هذا العام، عن السّنة الماضية حيث كان يباع الطنّ بـ200$ أمّا هذه السنة فنبيعه بـ150$. وتختلف أسعار الأكياس من محلّ لآخر، وتبدأ من 5$ وتصل إلى 8$ للكيس الواحد. فيما مجموع استهلاك الأسرة الواحدة من الجفت طوال فترة فصل الشتاء يصل إلى 3 طن في 5 أشهر أي حوالي الـ 450$، وهو يختلف من منطقة لأخرى بحسب قساوة الطقس".

ولفت إلى أنّ الطلب على الجفت ارتفع هذا العام بحوالي الـ40% عن السنوات السابقة، لكونه من أرخص وسائل التدفئة التي قد يلجأ إليها سكّان القرى في فترة الشتاء".

للمازوت "لقطاته"

من جهته أشار صاحب إحدى محطّات المحروقات في القرى البعيدة في حديثه لموقع "الصفا نيوز" إلى أنّ " برميل المازوت 200 ليتر يباع بـ190$، فيما تحتاج العائلة في الشهر الواحد إلى برميل كامل، لصوبيا واحدة فقط. وثمن هذه الأخيرة يتراوح بين الـ50$ والـ600$. وذلك يعود إلى نوعيّة الحديد المستخدم في صناعتها وإلى حجمها".

وشرح أنّ "سعر المازوت ليس ثابتًا حيث تشهد أسعار المحروقات تقلّبات قويّة، وتتبدّل كلّ إثنين وجمعة. هذا وقد شهدت محطّات المحروقات اقبالاً واسعاً من قبل الناس، بدأت منذ أوّل الصيفيّة، حيث استفاد سكّان القرى من تراجع أسعار المازوت فقاموا بتعبئة المادّة على السعر المنخفض أي على الـ135$، واستمرّت هذه الحركة إلى أن تخطّى سعر المازوت الـ170$، فخفّ الإقبال".

قشر اللوز والكرتون تدفئة الفقراء

وقد علم موقع "الصفا نيوز" أنّ بعض العائلات الفقيرة، استغنت عن الحطب والمازوت والغاز والجفت هذا العام، واستبدلتهم بالكرتون، يتمّ تبليلها بالماء، ولفّها كالحطبة وتركها لتنشف في الشمس، ثمّ وأدها للتدفئة. فيما آخرون لجأوا إلى عيدان الخشب، حيث قاموا بتجميعها على شكل رزمة وقصّها كالحطبة بعد لفّها بسلك حديد، لاستخدامها للتدفئة. أمّا قسم ثالث من الناس فقام بتجميع قشر اللوز وأوعية من البلاستيك والكاوتشوك والأحذية القديمة لإشعال النار والتدفئة عليها".