إلى مرضى السرطان، ينضمّ اليوم مرضى التهاب المفاصل والروماتويد، الذين نقلوا شكواهم لموقع "الصفا نيوز"، ساردين معاناتهم مع وزارة الصحّة في سبيل تأمين دوائهم.

لا ينكر أحد مساعي وزير الصحّة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض في سبيل تأمين الأدوية ولا سيّما أدوية الأمراض المزمنة والسرطان، ومحاولاته خلق منصّة إلكترونيّة تسمح بتتبّع الدواء من المورّد إلى المريض، ) Medi track) سعياً منه إلى ضبط تهريب واحتكار الأدوية في لبنان، خصوصاً في هذه الظروف الإقتصاديّة الصّعبة التي تمرّ بها البلاد، وفي ظلّ محدوديّة الإعتمادات المفتوحة لوزارة الصحّة العامة.

إلّا أنّه وبسبب غياب سياسة صحيّة شاملة، وخطّة نهوض مرهونة بالتمويل، (على الرّغم من سلسلة الإجتماعات الدوريّة التي يعقدها الأبيض مع الجهّات المانحة آملا بأيّ دعم ماديّ ينتشل الوزارة من واقعها المرير)، وعدم وجود نظام إداريّ فعّال بسبب نقص الموظّفين، لا تحقّق هذه المساعي جدواها، لا بل تتسبّب بالمزيد من العراقيل والهدر، ليجد المريض نفسه عالقاً في دوّامة لا تنتهي من المشاكل الإداريّة، والماليّة، والسياسيّة، يدفع ضريبتها "حياته" كما يحصل مع مرضى السرطان.

معاناة مرضى التهاب المفاصل

وإلى مرضى السرطان، ينضمّ اليوم مرضى التهاب المفاصل والروماتويد، الذين نقلوا شكواهم لموقع "الصفا نيوز"، ساردين معاناتهم مع وزارة الصحّة في سبيل تأمين دوائهم.

وفي هذا الإطار يروي أحد المرضى الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه خوفاً من المزيد من العرقلات في ملفّه الصحي، معاناته في حديثه لموقع "الصفا نيوز" ويقول "تقدّمت إلى وزارة الصحّة منذ حوالي الـ6 أشهر، بطلب للاستحصال على دواء هوميرا Humira، وهو عبارة عن إبرة يتوجّب عليّ أخذها مرّة في الشهر لأتمكّن من السير على قدميّ، وإلاّ يصيبني وجعُ مميت يمنعني من المشي، وحتى الآن لم يصلني الدواء "فلا حياة لمن تنادي". علمًا بأنني قدّمت جميع المستندات المطلوبة ومنها صورة الهوية، تقرير الطبيب المفصّل، والوصفة الطبّية التي حُدِّدَ فيها كميّة الجرعة التي يجب عليّ أخذها والمدّة الزمنيّة".

ويضيف "وبعد الوعود المتكرّرة من الوزارة بأنني سأحصل على الدواء، فكلّ "جمعة" كانوا يقولون لي "الجمعة الجاية"، راجعت الوزارة لأكثر من مرّة فقاموا بإرسالي إلى المستودع المركزي التابع لوزارة الصحّة في الكرنتينا، وهناك قام الموظفون بإرسالي من جديد إلى مبنى الوزارة لأخذ الموافقة على إعطائي الدواء للمرّة الثانية. وفور عودتي إلى مبنى الوزارة، وبعد أن انتظرت بطابور طويل، ليصل دوري، أتفاجأ بإبلاغي من قبل أحد الموظّفين بأنّ الكميّة نفذت. وبأنّ عليّ الإنتظار حتّى الأوّل من أيلول لاستلام دوائي".

ويكمل "إنّها فعلا مسخرة، وكأنّه لا يكفي المريض الألم الذي يتحمّله، كي يتحمّل المزيد من الذلّ للحصول على الدواء والذي يعتبر من أبسط وأكثر الحقوق البديهيّة التي يجب أن يتمتّع بها الفرد في أيّ دولة بالعالم".

ويكشف أنّ صديقه قد أعلمه بأنّ "الدواء كان يوزّع مجانا في الكرنتينا، 3 إبر لكلّ مريض، على قاعدة "إنت وحظّك" أو مدى معرفتك بموظّفي الوزارة. فيما كان هناك كميّة كبيرة من هذا الدواء فضّلت الوزارة تلفها بدل توزيعها للمرضى، لأنّ صلاحيتها شارفت على الإنتهاء. حيث كان تاريخها ينتهي في آخر شهر آب. علماً أنّ هذا الدواء يبقى ساري المفعول بعد إنتهاء صلاحيته بـ3 أشهر، وعلى الرّغم من مشارفة المدّة على الإنتهاء فإنّ إبرة واحدة كفيلة بإزالة الألم، وإعادتي إلى الحياة! ".

على مسؤوليتك الخاصّة

من جهّتها تكشف مواطنة أخرى يعاني والدها من نفس المرض (إلتهاب المفاصل والروماتويد)، في حديثها لموقع "الصفا نيوز" بأنّها وبعد تعذّرها عن تأمين الدواء من وزارة الصحّة بالشّكل القانوني، "قمت بتأمين "واسطة" لأنّني أعرف أحد الموظّفين العاملين في المبنى، وعلى الرغم من ذلك رفض إعطائي الدواء بحجّة قرب إنتهاء صلاحيته. وبعد "الأخذ والعطا" وإصراري على أخذ الدواء لأنّ والدي لم يعد باستطاعته تحمّل المزيد من الأوجاع، قام الموظّف باعطائي الدواء على مسؤوليتي الخاصّة".

وتضيف "لم أفهم كيف باستطاعة هؤلاء الناس، حرماننا من دواء يمكن أن ينقذ حياتنا أو حياة أشخاص عزيزين على قلبنا بحجّة قرب انتهاء الصلاحيّة، فيما هذه الإبرة يأخذها المريض فور التسليم، ولا يخزّنها في البرّاد، وبالتّالي لن تنتهي صلاحيتها قبل استعمالهاويكون قد استفاد منها".

وترى أنّه "كان أجدى بالوزارة أن توزّع الدواء على المرضى فوراً، بدل التلهّي بمعاملات تستغرق الكثير من الوقت، وتضيّع على المريض فرصة الإستفادة من الدواء قبل فساده".

الدواء بـ500$ من الصيدليّة و7$ من الوزارة

وعن سبب عدم شرائها الدواء من الصيدليّة تجيب "كلفة هذا الدواء هي 500$، أمّا راتبي فلا يتعدّى الـ400$، فيما لن يكلّفنا هذا الدواء أكثر من 7$ إذا تمكّنا من الإستحصال عليه من وزارة الصحّة. من جهّة أخرى، وإن تمكّنت من تأمين ثمن الدواء، فهو غير متوفّر في جميع الصيدليّات، فالوزارة متعاقدة مع 50 صيدليّة فقط، وأقرب واحدة تستغرق منّي الكثير من الوقت للوصول إليها".

الوزارة تبرّر

بعض الأدوية يمكن استخدامها حتّى بعد 6 أشهر من انتهاء صلاحيتها على عكس أدوية أخرى، أكثر حساسيّة، والتي يفضّل تلفها مع اقتراب انتهاء الصلاحيّة.

في السياق ذاته، تواصل موقع "الصفا نيوز" مع وزارة الصحّة للوقوف عند رأيها حول هذا الموضوع، وبدورها قالت مصادر مقرّبة من الوزارة إنّه "وعلى الرّغم من إمكانيّة استفادة المريض من الدواء قبل انتهاء صلاحيته ببضعة أسابيع أو أشهر، إلّا أنّ النتجية من حيث فعاليّة الدواء، وجدواه، ونوعيّته، لن تكون مماثلة للإبرة التي تنتهي صلاحياتها في آخر عام 2026 على سبيل المثال. ولذلك تفضّل الوزارة تلف هذ الأدوية على أن توزّعها للمرضى".

وأوضحت المصادر أنّ "مقاربة طريقة تعاطي الوزارة مع الأدوية تختلف من دواء إلى آخر بحسب مدى خطورة الحالة، ودقّة وحساسيّة الدواء. فبعض الأدوية يمكن استخدامها حتّى بعد 6 أشهر من انتهاء صلاحيتها على عكس أدوية أخرى، أكثر حساسيّة، والتي يفضّل تلفها مع اقتراب انتهاء الصلاحيّة".

ولم تنكر المصادر وجود تقصير في الخدمة إلاّ أنّها أعادت السبب إلى "قلّة عدد الموظفين، حيث هناك بين 3 و4 موظفين فقط يعملون في الكرنتينا، مقابل آلاف النّاس الذين يتقدّمون يوميّا بطلبات الحصول على الأدوية".

تأمين الدواء من الخارج: "يا بتصيب يا بتخيب"

على المقلب الآخر، علم موقع "الصفا نيوز" عن محاولات بعض المرضى اللبنانيين أو أقاربهم، اليائسين من واقع النظام الصّحّي في لبنان، تأمين الأدوية من مصادر أخرى، كاللجوء إلى الأدوية المهرّبة من سوريا، أو الطلب من أقربائهم المغتربين تأمين الدواء من الخارج. فيما معظم الدول المقصودة هي: تركيا، وألمانيا، ومصر، وفرنسا.

وبحسب المعلومات التي استحصل عليها موقعنا فإنّ، الأدوية المهربّة من سوريا بمعظمها غير مطابقة لمواصفات وزارة الصحّة، إلّا أنّ بعض المرضى يقبلون المجازفة بصحّتهم، وتناول هذه الأدوية، بسبب زهد سعرها. ولو أنّ للمسألة خطورة قد تنعكس على صحّتهم.

فيما معظم الأدوية التي تؤمّن من تركيا، تكون منتهية الصلاحيّة، أو فاسدة، أو حتّى مزوّرة، حيث تسود هذا القطاع سوق موازية تباع الأدوية فيها بالرخص، على مسؤوليّة طالبها، وفق قاعدة "با بتصيب يا بتخيب".

وهو ما حدث مع أحد مرضى إلتهاب المفاصل والروماتويد، الذي شارك تجربته مع موقعنا، وأخبرنا أنّه وبعد أن تمكّن من تأمين دواء الـHumira بسعر رخيص من تركيا، تفاجأ من عدم شعوره بالتحسّن، حيث بقيت العوارض والأوجاع كما هي، ولم يشعر بأيّ فرق، ولعلّ السبب برأيه هو لانّ "الدواء مغشوش". إلاّ أنّه ولحسن حظّه لم يشعر بأيّ عوارض سيئة، او مضاعفات نتيجة تناوله لهذا الدواء.

هذا وتعيق طالبي الأدوية من الدّول الأجنبيّة كألمانيا وكندا وفرنسا العديد من المطبّات، وأبرزها النظام الرّقابي المشدّد في هذه الدول. حيث أنّه لا يمكن لأيّ طالب دواء الاستحصال عليه دون وصفة طبيب مرخّص لدى وزارة الصحّة في الدولة المعنيّة. هذا وإن حاول أحد أقرباء أو أصدقاء المريض في الخارج طلب وصفة طبيب لمرض لا يعاني منه، وتمكّن من شراء الدواء بسعر مقبول على حساب وزارة الصحّة، سيظهر ذلك في سجلات الكشف الصحّي الذي تقوم به الوزارة على الصيدليّات. وبعد مراجعة جميع الحالات التي طلبت الدواء، ستتمكّن الوزارة من معرفة أنّ طالب الدواء لا يعاني من هذا المرض، وبالتّالي لا يحقّ له الإستفادة منه، ما قد يلحق به وبالطبيب الذي وصف له الدواء، عقوبة قانونيّة.

وبذلك تبقى مَصر الملجأ الأفضل لمعظم المرضى في لبنان، حيث الأدوية فيها أرخص والحصول عليها أسهل. فدواء الـHumira مثلا، يتراوح سعره في مصر بين الـ250 والـ300$، مقابل 500$ في لبنان. حاله حال العديد من الأدوية الأخرى، التي تباع بسعر أرخص بكثير في مصر. إلّا أنّ المشكلة في تأمين هذه الأدوية، تبقى بوجوب وضعها في برّادات لشحنها إلى لبنان، أو داخل Gel tubes، للمحافظة على حرارتها لعدم فساد الدواء، وهو ما يصعب توفّره دائما.

وبناء على ما تقدّم، يبقى المرضى في لبنان، رهينة سياسات حكوميّة فاشلة، تعتمد نهج الترقيع والتسوّل بانتظار دعم دوليّ، غير آبهة بصحّة المواطنين، وأوجاعهم الجسديّة.